الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{قَالُواْ} يعني السحرة {ياموسى إِمَّآ أَن تُلْقِيَ} عصاك من يدك {وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى} عصاه {قَالَ} موسى {بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ} وهو جمع العصا {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ} قرأ ابن عامر بالتاء، ردّه إلى الحبال والعصيّ، وقرأ الباقون: بالياء ردّوه إلى الكيد أو السحر، ومعناه شبّه إليه من سحرهم حتى ظنّ {أَنَّهَا تسعى} أي تمشي، وذلك أنّهم كانوا لطّخوا حبالهم وعصيّهم بالزئبق فلمّا أصابه حرّ الشمس ارتهشت واهتزت فظنّ موسى أنها تقصده {فَأَوْجَسَ} أي أحسَّ ووجد، وقيل: أضمر {فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} قال مقاتل: إنّما خاف موسى إذ صنع القوم مثل صنيعه أن يشكّو فيه فلا يتبعوه ويشك فيه من تابعه.{قُلْنَا} لموسى {لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى} الغالب {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} يعني العصا {تَلْقَفْ} تلتقم وتلتهم {مَا صنعوا إِنَّمَا صَنَعُواْ} يعني إنّ الذي صنعوا {كَيْدُ سَاحِرٍ} قرأ أهل الكوفة بكسر السين من غير ألف، وقرأ الباقون: ساحر بالألف على فاعل، واختاره أبو عبيد، قال: لأنَّ إضافة الكيد إلى الرجل أولى من إضافته إلى السّحر وإن كان ذلك لا يمتنع في العربية.{وَلاَ يُفْلِحُ الساحر حَيْثُ أتى} من الأرض، وقيل: معناه حيث احتال.{فَأُلْقِيَ السحرة سُجَّدًا قالوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وموسى قَالَ آمَنتُمْ لَهُ} يعني به كقوله: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26] {قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} لرئيسكم ومعلّمكم {الذي عَلَّمَكُمُ السحر فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ} يعني الرجل اليسرى واليد اليمنى {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النخل} يعني جذوع النخل، قال سويد بن أبي كاهل:
{وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابًا} أنا أو ربّ موسى {وأبقى قَالُواْ} يعني السحرة {لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَاءَنَا مِنَ البينات} قال مقاتل: يعني اليد والعصا.وأخبرنا البيهقي والاصفهاني قالا: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدَّثنا أبو الأزهر، قال: حدَّثنا روح قال: حدَّثنا هشام بن أبي عبد الله عن القاسم بن أبي برزة قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحر، فألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا حتى جعل موسى يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، فأوحى الله سبحانه أن ألق عصاك، فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فاغرفاه، فابتلع حبالهم وعصيّهم وأُلقي السحرة عند ذلك سجدًا فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار ورأوا ثواب أهلها، عند ذلك قالوا {لَن نُّؤْثِرَكَ على مَا جَاءَنَا مِنَ البينات} يعنى الجنة والنار وما رأوا من ثوابهم ودرجاتهم.قال: وكانت امرأة فرعون تسأل: من غلب؟ فيقال: غلب موسى، فتقول: آمنت برب موسى وهارون، فأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها فأتوها فإنْ هي رجعت عن قولها فهي امرأته، وإنْ هي مضت على قولها فألقوا عليها الصخرة، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأريت بيتها في الجنة فمضت على قولها وانتزعت روحها، والقيت على جسد لا روح فيه.{والذي فَطَرَنَا} يعني وعلى الذي خلقنا، وقيل: هو قسم {فاقض مَآ أَنتَ قَاضٍ} فاحكم ما أنت حاكم، واصنع ما أنت صانع من القطع والصلب {إِنَّمَا تَقْضِي هذه الحياة الدنيآ} يقول: إنّما تملكنا في الدنيا ليس لك علينا سلطان إلاّ في الدنيا {إِنَّآ آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} قال مقاتل: كانت السحرة اثنين وسبعين ساحرًا، اثنان منهم من القبط وهما رأسا القوم، وسبعون منهم من بني إسرائيل، وكان فرعون أكره أُولئك السبعين الذين هم من بني إسرائيل على تعلّم السحر.وقال عبد العزيز بن أبان: إنّ السحرة قالوا لفرعون: أرنا موسى إذا نام، فأراهم موسى نائمًا وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون: أن هذا ليس بسحر، إنّ الساحر إذا نام بطل سحره، فأبى عليهم إلاّ أن تعملوا فذلك قوله: {وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السحر} {والله خَيْرٌ وأبقى} منك لأنّك فان هالك {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ} في الآخرة {مُجْرِمًا} مشركًا يعني بات على الشرك {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا} فيستريح {وَلاَ يحيى} حياةً تنفعه.{وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا} مات على الإيمان {قَدْ عَمِلَ الصالحات فأولئك لَهُمُ الدرجات العلى} الرفيعة في الجنة {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وذلك جَزَاءُ مَن تزكى} أي صلح، وقيل: تطهّر من الكفر والمعاصي. وقال الكلبي: يعني أعطى زكاة نفسه وقال: لا إله إلاّ الله.{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} أي سر بهم أول الليل من أرض مصر.{فاضرب لَهُمْ طَرِيقًا فِي البحر يَبَسًا} يابسًا ليس فيه ماء ولا طين {لاَّ تَخَافُ دَرَكًا} من فرعون خلفك {وَلاَ تخشى} غرقًا من البحر أمامك، وقرأ حمزة: لا تخف بالجزم على النهي، الباقون: بالألف على النفي، واختاره أبو عبيد لقوله: ولا تخشى رفعًا ودليل قراءة حمزة قوله: {يولوكم الأدبار ثمَّ لا تنصرون} فاستأنف، قال الفرّاء: ولو نوى حمزه بقوله: ولا تخشى الجزم، لكان صوابًا. وقال الشاعر: وقال آخر: {فَأَتْبَعَهُمْ} فلحقهم {فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ} أصابهم {مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هدى} أي وما هداهم إلى مراشدهم، وهذا جواب قول فرعون: ما أُريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم ألاّ سبيل الرشاد، فكذّبه الله تعالى فقال: بل أضلهم وما هداهم.قال وهب: استعار بنو إسرائيل حليًا كثيرًا من القبط ثم خرج بهم موسى من أول الليل، وكانوا سبعين ألفًا فأخبر فرعون بذلك فركب في ستمائة ألف من القبط يقص أثر موسى، فلمّا رأى قوم موسى رهج الخيل قالوا {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] فقال موسى: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] فلمّا قربوا قالوا: يا موسى أين نمضي؟ البحر أمامنا وفرعون خلفنا، فضرب موسى بعصاه البحر فانفلق فصار فيه اثنتا عشرة طريقًا يابسة، لكل سبط طريق، وصار بين كل طريقين كالطود العظيم من الماء، وكانوا يمرّون فيه وكلّهم بنو أعمام فلا يرى هذا السبط ذاك ولا ذاك هذا، فاستوحشوا وخافوا فأوحى الله سبحانه إلى أطواد الماء أن تشبّكي، فصارت شبكات يرى بعضهم بعضًا ويسمع بعضهم كلام بعض.فلمّا اتى فرعون الساحل وجد موسى وبني إسرائيل قد عبروا فقال للقبط: قد سحر البحر فمرّ، فقالوا له: إن كنت ربًّا فادخل البحر كما دخل، فجاء جبرئيل على رمكة وديق، وكان فرعون على حصان، وهو الذكر من الأفراس، فأقحم جبرئيل الرمكة في الماء، فلم يتمالك حصان فرعون واقتحم البحر على أثرها ودخل القبط عن آخرهم، فلمّا تلجّجوا أوحى الله سبحانه إلى البحر أن غرّقهم، فعلاهم الماء وغرّقهم.قال كعب: فعرف السامري فرس جبرئيل، فحمل من أثره ترابًا وألقاه في العجل حين اتّخذه.{يا بني إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ} فرعون {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطور الأيمن} وقد مرَّ ذكره {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} هذه قراءة العامة بالنون والألف على التعظيم، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي: أنجيتكم ووعدتكم ورزقتكم من غير ألف على التوحيد والتفريد {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ} حلال {مَا رَزَقْنَاكُمْ}.{وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} قال ابن عباس: ولا تظلموا، وقال مقاتل: ولا تعصوا، وقال الكلبي: ولا تكفروا النعمة، وقيل: ولا تحرّموا الحلال، وقيل: ولا تنفقوا في معصيتي، وقيل: ولا تدّخروا، وقيل: ولا تتقووا بنعمي على معاصيّ.{فَيَحِلَّ} يجب {عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ} يجب {عَلَيْهِ غَضَبِي} وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي: فيُحل ومن يُحلل بضم الحاء واللام أي ينزل.{فَقَدْ هوى} هلك وتردّى في النار {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ} من دينه {وَآمَنَ} بربّه {وَعَمِلَ صَالِحًَا} فيما بينه وبين الله {ثُمَّ اهتدى}.قال قتادة وسفيان الثوري: يعني لزم الإسلام حتى مات عليه.وقال زيد بن أسلم: تعلّم العلم ليهتدي كيف يعمل.وقال الشعبي ومقاتل والكلبي: علم أنّ لذلك ثوابًا.وقال فضيل الناجي وسهل التستري: أقام على السنّة والجماعة.وقال الضحاك: يعني استقام. اهـ.
في بيت لا تزال الركب تصطك في تسوية إعرابه:
|